jeudi 26 avril 2012

المونتاج

أندري تاركوفسكي ***           
يصعب الاتفاق مع الخطأ الشائع القائل ان المونتاج هو العنصر الرئيس المكون للفيلم، وان الفيلم يتشكل على طاولة المونتاج. فكل الفنون تتطلب مونتاجا وتجميعا وتهيئة للأجزاء. لكننا لا نتكلم هنا عن ما يقرب السينما من الأنواع الأخرى للفنون بل عما يجعلها لا تشبه تلك الفنون.اننا نريد أن نفهم خصوصية السينما.
ففيم إذن يكمن دور المونتاج؟ المونتاج يقرن الكوادر المشبعة بالزمن، لا بالمفاهيم، كما يعلن غالبا مؤيدو ما يسمى « السينما المونتاجية». ان اللعب بالمفاهيم ليس امتيازا خاصا بالسينما. لذا فان جوهر التعبير السينمائي لا يكمن في مونتاج المفاهيم. ان لغة السينما في خلوها من اللغة، من المفاهيم، من الرمز. والسينما مخبوءة كلها في داخل الكادر لدرجة أن تستطيع بعد مشاهدة كادر واحد –كما أعنقد- تستطيع أن تقول واثقا مدى موهبة الانسان الذي صوره.


ان المونتاج – في ناية المطاف – ليس سوى نسخة مثالية للصق اللقطات. لكن هذة النسخة المثالية مخبوءة في المادة السينمائية المصورة على الشريط. ان مونتاج الفيلم بطريقة احترافية صحيحة والعثور على النسخة المثالية للمونتاج يعني عدم اعاقة توحيد المشاهد المنعزلة، ذلك أن هذه المشاهد قابلة مسبقا للمونتاج بحد ذاتها، حيث يعيش في داخلها القانون الذي ينبغي الاحساس به واجراء اللصق وتقصير هذه اللقطة أو تلك بناء عليه، ان قانون تناسب اللقطات وعلاقاتها يكون أحيانا غير سهل أبدا (خاصة حين يكون المشهد مصورا بصورة غير دقيقة)،وعندها لا يكون العمل على طاولة المونتاج مجرد ربط ميكانيكي لأجزاء، بل سيرورة مؤلمة في البحث عن مبدأ توحيد الكوادر، يتضح خلالها  بالتدريج خطوة بعد أخرى جوهر الوحدة المخبوء في المادة المصورة منذ فترة التصوير.
نجد هنا علاقة ارتجاعية خاصة: البنية المخبوءة في الكادر تعي نفسها في المنتاج بفضل خواص مميزة  للمادة المصورة مثبتة في الكادر في وقت التصوير. المادة المصورة تكشف في المونتاج عن جوهرها الذي يترشح في طبيعة اللصقات ذاتها ، في منطقها التلقائي الحال فيها.
فيلم «المرآة» قد مُنتج بجهود جبارة، وكان هناك أكثر من عشرين نسخة من المونتاج للفيلم.أنا لا أقصد تغيير بعض اللصقات، بل تغييرات جذرية في البنية ، في تعاقب المشاهد نفسه. وقد بدا لنا في بعض الأحيان أن الفيلم عصي على المونتاج تماما، وهذا يعني أن أخطاء لا تغتفر قد حدثت أثناء التصوير. كان الفيلم يتداعى ولا يريد أن يقف على قدميه. وكان يتبعثر على مرأى منا، ولم يكن فيه اي كمال ولا رابط داخلي ولا التزام ولا منطق داخلي.وفجأة قي يوم رائع، حين وجدنا امكانية المجازفة بتغيير أخير، انبثق الفيلم. المادة المصورة انتعشت وصارت أجزاء الفيلم تعمل وكأنها مربوطة بنظام دموي واحد، فولد الفيلم أمام أعيننا أثناء عرض هذه النسخة المونتاجية النهائية. لم أستطع أن أصدق بعد فترة طويلة أن المعجزة قد حدثت، وأن الفيلم قد التأم. لقد كان ذلك اختبارا جادا لصحة ما عملناه أثناء التصوير. فقد كان واضحا أن ربط الأجزاء يعتمد عى الحالة الباطنية للمادة المصورة. كان واضحا أن التحام الأجزاء يعتمد على حالة المادة الباطنية. واذا كانت هذه الحالة قد ظهرت في المادة المصورة منذ عملية التصوير، واذا كنا لم ننخدع بأن هذه الحالة قد انبثقت فيها فعلا،فان الفيلم لا يمكن أن لا يلتئم، لأن ذلك سيكون مخالفا للطبيعة. لكن لغرض أن يحدث ذلك كان ينبغي أن توصل الى المغزى، الى مبدأ الحياة الباطنية للأجزاء المصورة. وحين حدث ذلك بحمد الله، حين وقف الفيلم على قدميه ، أحسسنا كلنا وكأن حملا ثقيلا قد انزاح عن صدورنا.
ان ما يحدث في المونتاج هو أن الوقت ذاته الجاري في الكادر يلتحم.
يتكون فيلم «المرآة» مما يقارب مئاتي كادر. وهذا عدد قليل اذا أخذنا بالاعتبار أن فيلما بالطول ذات يتكون في العادة من خمسمئة كادر تقريبا. ان عدد الكوادر القليل في فيلم «المرآة» هو الذي حدد أطوالها. أما فيما يخص لصقات الكوادر فهي التي تنظم بنية الفيلم، لكنها لا تصنع ايقاع الفيلم، على حسب الفكرة الشائعة. فايقاع الفيلم ينشأ وفقا لطبع ذلك الزمن الذي يجري في الكادر، ولا يتحدد بأطوال الأجزاء الممنتجة، بل بدرجة توتر الزمن الذي يجري فيها.ان اللصقة المونتاجية لا يمكنها تحديد الايقاع، فالمونتاج هنا لا يعدو أن يكون في أفضل الأحوال أكثر من علامة أسلوبية. وأكثر من ذلك: فان الزمن لا يجري في الفيلم بفضل اللصقات، بل على الرغم منها، بالطبع اذا استطاع المخرج أن يكتشف بصورة صحيحة طبيعة جريان الزمن في الأجزاء المنفردة.
الوقت المدرج في الكادر بالتحديد هو الذي يملي مبدأ المونتاج هذا أو ذاك. ولهذا لا يمكن منتجة كادرات مع بعضها البعض اذا كان قد ثُبت فيها -مبدئيا- طبع مختلف لجريان الزمن. وهكذا، لا يمكن مثلا مونتاج الزمن الحقيقي مع الزمن الاصطلاحي، مثلما هو الحال حين يستحيل ربط أنابيب الماء ذات القطر المختلف. ويمكن تسمية اتساق الزمن، الجاري في الكادر، توتره أو بالعكس « استرخاءه» بضغط الزمن في الكادر. وتبعا لذلك، فان المونتاج يشكل وسيلة لربط الأجزاء مع اعتبار الضغط في الزمن فيها.
ان وحدة الاحساس بالنسبة لكوادر مختلفة يمكن أن تكون نتيجة لوحدة الضغط، الالحاح،درجة الضغط التي تحدد أيقاع الفيلم.
ترى كيف نستقبل الزمن في الكادر؟ ان هذا الشعور الخاص ينشأ هناك حيث يكمن الاحساس بمدلول خاص –خلف ما يجري- مساو لحضور الحقيقة في الكادر. حين تدرك بوضوح أن ما تراه في الكادر لا يقتصر على الخط البصري، بل يلمّح الى شيء ما ينتشرخارج الكادر، الى  ما يسمح بالخروج من الكادر الى الحياة. يعني، أن لانهائية التعبير التي تكلمنا عنها آنفا تكشف عن نفسها هنا من جديد. ان الفيلم أغنى مما يعطينا مباشرة عن طريق التجربة (اذا كان الفيلم فيلما حقيقيا، طبعا). ونكتشف فيه من الأفكار أكثر مما ضمّنه المؤلف بصورة واعية. وكما أن الحياة، الجارية مباشرة، المتغيرة، تعطي كل شخص امكانية تفسير كل لحطة من لحظاتها والاحساس بها، كذلك الفيلم الحقيقي الذي ثُبت الزمن على شريطه بشكل صحيح، ممتدا خارج حدود الكادر، يعيش في الزمن كما يعيش الزمن فيه. ان خصوصية السينما –كما أرى- يبغي البحث عنها في هذه السيرورة الثنائية بالتحيد.
يصبح الفيلم حينئذ شيئا أكبر من مجرد شريط موجود اسميا، مصورا وملصقا، وأكثر من القصة أو الموضوع الذي صنع على أساسه.ويصبح الفيلم وكأنه مستقل عن ارادة مؤلفه، أي يصبح مشابها لحياة ذاتها. أمه ينفصل عن مؤلفه ويبدأ بالحياة حياته الخاصة، متغيرا في الشكل والمعنى عند اصطدامه بالمتفرج.
أنا أرفض فهم السينما على أنها فن المونتاج لسبب آخر هو أن هذا الفهم لا يعطي للفيلم امكانية الامتداد خارج مجال الشاشة، أي ان حق المتفرج بوصل تجربته الخاصة مع ما يراه على الشاشة لا يُؤحَذ بنظر الاعتبار. ان السينما المونتاجية تقدم للمفرج ألغازا وحزوراتـ وتجبره على حل شفرات الرموز والاستمتاع بالاستعارات، مستنجدة بالتجربة العقلية للمتفرج. لكن كل لغز من هذه الألغاز يملك مع الأسف حله الخاص المصوغ بدقة. حين يقارن ازينشتين في فيلمه «أكتوبر» بين كيرنيسكي والطاووس، فان هذه الوسيلة تصبح مساوية لهدفها. فالمخرج يسلب المتفرج امكانية استعمال علاقته بما يراه في هذه الأحاسيس. وهذا يعني ان وسيلة تصميم التعبير تصبح هنا هي الهدف ذاته، في حين يبدأ المؤلف بهجوم عام على المفرج، فارضا عليه علاقته الخاصة هو بما يجري.
معلوم ان مقارنة السينما بهذه الفنون الزمنية مثل الباليه أو الموسيقى مثلا، ترى أن الخاصية التي تميزها تكمن في أن الزمن المثبت على الشريط يخصل على شكل حقيقي مرئي. ان الظاهرة المثبتة على الشريط ذات مرة، ستستقبل دائما وبشكل متعادل بكل مُعطاها الثابت.
القطعة الموسقية نفسها يمكن عزفها بأشكال مختلفة، ويمكن أن تأخذ أوقاتا مختلفة في أطوالها، وبكلمات أخرى، ان الزمن في الموسيقى له طبع فلسفي مجرد. أما السينما فتستطيع أن تثبت الزمن في علاماته الخارجية التي يمكن استيعابها حسيا. ولهذا يصبح الزمن في السينما هو أساس الأساسات، كما يكون هذا الأساس في الموسيقى هو الصوت، وفي الرسم هو اللون وفي الدراما هو الشخصية.
وهكذ، فان الايقاع ليس تعاقبا موزونا للأجزاء. انه يتكون من الضغط الزمني داخل الكوادر، والايقاع تحديدا – كما أعتقد – هو العنصر الرئيس المكون للشكل في السينما، وليس المونتاج، كما هو شائع.
أكرر: المونتاج موجود في كل فن من الفنون كعلامة للاختيار الذي يقوم به المؤلف، اختيار وربط، لا يمكن لأي فن من الفنون أن يوجد بدونه. أما خصوصية المونتاج فتكمن في أنه يربط الزمن المدرج في الأجزاء المصورة. المونتاج هو لصق الأجزاء الجزيئات التي تحمل في داخلها زمنا متشابه أو مختلف الكثافة . ويعطي ربط هذه الأجزاء احساسا جديدا بجريان هذا الزمن، ذلك الاحساس الحاصل نتيجة لمرور الكوادر التي تقلصها اللصقات وتقتطع الزائد منها . لكن خصوصيات اللصقات المونتاجية كما قلنا أعلاه، مُضمنة في الأجزاء الممنتجة ذاتها، والمونتاج لايعطي سمة جديدة أبدا، بل يُظهر فقط ما هو موجود فعلا في الكوادر المربوطة. ان المونتاج كما لو يكون قد أُخذ بالاعتبار مسبقا أثناء التصوير، وكما لو أنه كان مبرمجا في طبيعة المادة المصورة. ولهذا فان ما يخضع للمونتاج هو الأطوال الزمنية التي ثبتتها الكاميرا، كثافة وجودها، وليس رموزا نظرية، ولا حقائق تشكيلية محسوسة، ولا انشاءات منظمة، موزعة في المشهد بقليل أو كثير من البراعة.وليس بمفهومين معينين، ينبغي لربطهما أن ينتج  «معنى ثالث» مزعوم. أي أن ما يخضع للمونتاج كل تنويعات الحياة التي تستقبلها العدسة وتضَمنَّ في الكادر.ان أفضل ما يثبت صحة رأيي هو تجربة ازنشتين نفسه. فحين جعل الايقاع متعلقا بطول اللقطة، أي باللصقات، كشف افلاس فرضياته  الابتدائية، في تلك الحالات التي خانه فيها الحدس، ولم يملآ الأجزاء التي يمنتجها بالتوتر الزمني المطلوب للصقة المعينة. لنأخذ مثلا مشهد المعركة قرب بحيرة تشودسكايا في فيلمه «أليكسندر نيفسكي». فقد حاول ايصال الدينامية الداخلية للقتال على حساب تعاقب المونتاجي للقطات القصار والقصار جدا في بعض الأحيان ، من دون أن يفكر بملئ الكوادر المختلفة بالزمن المتوتر. لكنه وعلى الرغم من تخاطف الكوادر القصيرة فان الاحساس بتراخي وبتكلف ما يجري على الشاشة لم يغادر المتفرج. وهذا يحدث بسبب غياب حقيقة الزمن في بعض الكوادر. هذه الكوادر الساكنة والفقيرة الدم. ولهذا طبيعي أن يظهر تناقض بين المحتوى الداخلي للكادر الذي لم يضمِّن أية سيرورة زمنية، فأصبح بذلك اصطناعيا  ولا مباليا بالنسبة لهذه الكوادر وتقتصر علاقته بها على اللصقات الميكانيكية. ونتيجة لذلك لا تصل الى المتفرج تلك الأحاسيس التي ينتظرها المبدع، الذي لم يجهد نفسه باشباع الكادر بالأحاسيس الصادقة لجريان الزمن في هذا المشهد أو ذاك من المعركة الأسطورية.
الايقاع في السينما ينتقل خلال حياة الشيء المرئية المثبة في الكادر، وكما نحدد طبيعة المجرى في النهر وقوته من خلال رعشة صخرة صغيرة، فان حركة الزمن تنقلها لنا السيرورة الحياتية ذاتها وطبيعة جريانها المستنسخة في الكادر .
المخرج السينمائي يكشف عن شخصيته من خلال الاحساس بالزمن، من خلال الايقاع قبل كل شيء. ويلون الايقاع العمل الفني بعلامات أسلوبية محددة. وهو لا يُبتكر أو يبنى بوسائل عقلية. بل يجب أن يظهر حيويا انطلاقا مما يميز المخرج من الاحساس بالحياة، بحسب كيفية تحقيقه للزمن. أنا أتصور أن على الزمن أن يجري في الكادر باستقلالية وكأنه يجري من تلقاء نفسه، وعندها ستُحل المسائل بدون جلبة وفوضى ومساعدات ايقاعية. ان الاحساس بالايقاع في الكادر بالنسبة لي...كيف أعبر عن ذلك؟ يساوي الاحساس بالكلمة الصادقة في الأدب. ان الكلمة غير الدقيقة في الأدب وعدم دقة الأيقاع في السينما تخربان صدق العمل.
تظر هنا صعوبة طبيعية. أود مثلا أن يجري لزمن في الكادر باستقلالية، لكي لا يشعر المتفرج بأي خرق أو ضغط على تلقيه، ولكي «يستسلم للأسر» طوعيا، ويبدأ بالاحساس بمادة الفلم وكأنها تجربته الخاصة، واعترف بها وأدخلها في نفسه بصفة تجربة جديدة اضافية خاصة به.
لكن يا للمفارقة! فان احساس المخرج بالزمن يتصرف كضغط على المتفرج. فالمتفرج اما أن «يسقط» في ايقاعك وعندها يكون معك، واما ان لا «يسقط» وعندها لا يحصل الاتصال. ومن هنا يظهر عند المخرج «متفرجه» الخاص، وهو ما يبدو لي طبيعيا ومحتوما.
وهكذا فأنا أرى مهمتي في خلق مجرى متفرد خاص بي للزمن، وايصال احساسي في الكادر بحركته  وبمساره.
وسيلة الربط، المونتاج يقطع مساره، يقاطعه ويصنع خاصيته الجديدة في الآن ذاته.
تشويه الزمن: هو وسيلته للتعبير الايقاعي. والنحت على الزمن– هذا هو المونتاج، هذا هو التعبير السينمائي.
ولهذا فان ربط كوادر ذات توتر زمني مختلف لا ينبغي أن يُستدعى الى الحياة بتعسف المؤلف، بل بالضرورة الباطنية، وينبغي أن يكون حيويا للمادة ككل.. واذا اختلت حيويةهذه الانتقالات لأي سبب كان فستظهر وتصبح شاخصة للعيان تلك التوكيدات المونتاجية العرضية التي ما كان للمخرج أن يسمح بها.ان أي تعويق أو تسريع مصطنع لم ينضج داخل الكادر، وان عدم الدقة في تغيير الأيقاع الزمني سينتج لصقة مزيفة اعلانية. ان ربط قطع غير متكافئة بالمعنى الزماني سيقود لا محالة الى قصور ايقاعي. لكن هذا القصور اذا كان معدّا من الحياة الباطنية للقطع المربوطة، فيمكن أن يكون ضروريا لغرض فرز الرسم الايقاعي المطلوب. لنقارن بين مختلف التوترات الزمنية لجدول وفيضان ونهر وشلال. ان ربطها يمكن أن يعطي رسما ايقاعيا فريدا، يصبح – بصفته نبتة حيوية جديدة- شكلا للتعبير عن احساس المؤلف بالزمن.
وبما ان الاحساس بالزمن هو ادراك للحياة متأصل حيويا عند المخرج، والوتر الزمني في القطع الممنتجة  هي التي تملي هذه اللصقة أو تلك–كما أسلفنا-فان المونتاج يكشف بأوضح ما يكون في أسلوب هذ المخرج أو ذاك. فان علاقة المخرج بفكرته تتكشف عن طريق المونتاج، الذي تأخذ فيه أيدولوجيا المحرج تجسيدها النهائي. أعتقد ان المخرج الذي يستطيع منتجة أفلامه بسهولة وبأشكال مختلفة هو محرج سطحي وضحل. فأنت تستطيع دائما تعرُّف مونتاج بيرغمان وبريسون وفيلليني، ولن تخلط بين مونتاجهم ومونتاج شخص آخر، لأن مبدأ مونتاجهم لا يتغير.
ليس للمخرج أن يأتي الى ساحة التصوير بحالة مختلفة، لأن المشكلة الأساس هي المحافظة على المغزى والحفاظ على وحدة الايقاع في كل مشهد.
الإحساس بالايقاع
الايقاع من حيث المبدأ واحد. انه الايقاع الذي يولد عند تواصل المخرج مع الحياة، مع ما يصور، ما يحاول بعثه أمام عدسة كاميرته. ان هذه الحالة مهمة للمخرج مثلما هي مهمة للمثل اذا أراد أن يكون صادقا في الكادر. اذا ان المخرج يحضر الى التصوير خاملا لايعرف ما عليه أن يعمل وغير مستعد للتصوير، فلن يصور شيئا في هذه الحالة، واذا صور فلن يٌمنتَج ما يصوره مع الفيلم أو مع تلك الأجزاء التي صورها وهو في حالة ابداعية. لكن بما ان الفيلم هو عمل يومي، فان أسوأ ما في هذه السيرورة هي الانتروبيا، حال تشتت الطاقة الابداعية، وفقدان الحالة الأصلية. المخرج في نهاية الأمر حاله حال الموسيقي، قائد الفرقة مثلا، لا يستطيع أن لا يسمع الزيف، ففي ذلك تكمن حرفته. وهذا هو شعور «السمع»، وهو بأهمية الشعور بالايقاع والاحساس بايقاع الحياة التي تجري بجانب المخرج،تلك الحياة التي يحاول تثبيتها على الشريط.
هناك رأي شائع مفاده أن تنظيم ايقاع الفيلم يتطلب وجود مشهد سريع يعقبه مشهد بطيئ، وأن تتابع هذه المشاهد يولد ذلك الاحساس بالوحدة الايقاعية ،التي تُسمى بالسينما المونتاجية.
وهنا يتبين أن لا شيء من هذا القبيل. وهذا لا علاقة له بالسينما على الاطلاق. هل سبق أن شاهدتم فيلم روبرت بريسون «mouchette» (فيلم نخبوي من انتاج فرنسا سنة 1967. المترجم). أنا لم أر هناك مشهدا واحدا تعاقب بمثل هذه الطريقة. وكل كادر من كوادر الفيلم مُصوَّر برتابة من قبل شخص واحد. ويمكن الظن أن هذه الكوادر كلها قد صُورت في آن واحد، وكأن ستمائة كاميرا كانت منصوبة في آن واحد، ومثل ستمائة بديل وصُور ستمائة بديل. وبقدر تماثل هذه الكوادر فهي معبأة بايقاع واحد وبشعور واحد. ولا وجود هناك للحظة واحدة من الزيف. وبالمناسبة فهذا هو المخرج الثاني في عدد مرات الاعادات. فشابلن كان يصور أربعين اعادة وبريسون أيضا كان يصور أربعين اعادة أيضا. لانه لا يقبل بأي ابتعاد عن الدقة مهما كان ضئيلا في نبرة الكادر، في حركة الكاميرا، في المكان الذي ينبغي للممثل أن يصل اليه في الميزانين، أما في حالة اللقطة الكبيرة فمن باب أولى. حيث يحسم المسألة السنتيمتر الواحد. ويستمر في اعادة التصوير حتى يصل الى نوع من الانسجام الحساس بين فكرته وتجسيدها. أما عند شابلن فنرى هذا بطريقة أخرى، لأن الحديث هناك يجري حول الحركة اللدنة  (plastisity) وتثبيتها وامكانية أن تكون تعبيرية بأقصى ما يكون.
اليوم شاهدتم عملا لمخرج معاكس تماما هو فيلليني، حيث كمية المشاعر هائلة والبهجة وحب الحياة والطيبة والحب والمرح. انه هكذا، انسان عصر النهضة، انسان فائق الطيبة. ولاحظوا انكم تجدون أن كل المشاهد أيضا، وكل الكوادر مصورة بالطريقة ذاتها. أنا واثق أنها مصورة بالطريقة ذاتها، ولا يمكن أن تكون غير مصورة بالطريقة ذاتها. ولو كان مخرجا متوسط الحال لصورها بشكل مختلف. مع العلم أني لا أتكلم عن المونتاج، فالكادر يمكن أن يكون طول وقته ثانية وحدة أو ثلاث دقائق، قالمسألة ليست في طول الكادر. بل في أنه مُصوَّر في ايقاع واحد، في حالة واحدة، تلك الحالة التي توحي للمخرج بعلاقته بالواقع. هذا هو نبضه الذي يذوب في ايقاع الفيلم. وهنا كأن نبضه وايقاع الحياة ونبض المادة المصورة متوحدة. ان هذا الثلاثي  هو الذي ينظم هوية السينما.
لن تصبحوا يوما فنانين اذا قطَّعتم لقطات البوناراما ومنتجتموها في نهايات المشهد المختلة. ولن تمنتجوا الفيلم بأية درجة كانت اذا صرتم تأخذون كوادر من مشهد وتلصقونها بآخر، مع ان هذا يحدث كثيرا. ولن تتوصلوا الى أي شي اذا قطعتم اللقطة الكبيرة الى ثلاثة أجزاء، والشريك الى ثلاثة أجزاء ومنتجت هذه الأجزاء الستة في مشهد حوار اذا لم يكن المشهد مخططا له بهذه الطريقة مسبقا. منتجوا ذلك في حالة واحدة هي أن المشهد كان مصورا بطريقة سيئة . وهذا سيكون ممنتجا بطريقة سيئة أيضا وسيبدو المشهد سيئا. وسيكون له مجرد وهم تمام، أما التمام الحقيقي فسيبقى بعيدا عن المشهد. اتذكرون في فيلم «الحياة الحلوة»، حيث يوجد بعض الأجزاء ، أعني المشهد الأخير على الشاطئ، حيث تجري العربدة. هناك مشهد حيث يخرجون الى الشارع ، تحت أشجار الصنوبر ويتجهون الى البحر ويتوقفون هنيهة. هناك لقطتان أو ثلاثة لقطات مونتاجية بدون أية حركة، مصورة من نقطة واحدة، على الضد من المشهد السابق حيث الكثير من الحركة في الكادر نفسه والكوادر الأخرى المصورة متحركة. وعلي أن أقول لكم أن هذا لا يعني أن في هذه الكوادر أيقاع آخر. ان هذا يعني أن الانسان موجود في حالة أخرى، وانه ينظر الى الفعل ذاته في المكان ذاته، وأن شيئا ما عنده يتصدع، وان قلبه تتسارع نبضاته أو بالعكس يتوقف قلبه. أي يظهر لديه احساس بتبدل الايقاع وليس تبدل الحالة. أي ان الزمن يشرع بالتغير. انه يبدأ بالانضغاط، وكلما كانت الحركة أقل كان  الزمن أشد انضغاطا.
 حركة الشخص الراكض مثلا وبانوراما الشخص الراكض هي الكادر المصور الأكثر بدائية. الكوادر الثابتة مع وجود شخص راكض فيها، هي شيء آخر تماما، أما الكاميرا الثابتة مع شخص واقف كان بركض في الكادر السابق، فهي شيء ثالث. الموضوع يستحق التفكير والتأمل.
تذكروا مشهد الخروج من القلعة، المشهد ما قبل الأخير. كل لقطات المرور مصورة بكاميرا متحركة/ وكلها على الاطلاق مصورة من على السكة. قد يسأل أحدهم: ما الداعي لهذا الالحاق؟ جزء واحد، جزء ثان، جزء ثالث، كلها متحركة  بايقاع واحد. أي أن هناك ستظهر ضرورة لتنظيم الكادر بطريقة معينة. وفعلا ينظم –قبل كل شيء- بحركة الكاميرا. يعني أن هذا هو «لباس» معين أكثر خارجية للايقاع في المشهد: حركة الكاميرا. لأن لها علاقة مباشرة بالزمن. أنتم تستطيعون اجبار الزمن على التحرك ببطء أو بسرعة اعتمادا على كيفية تحريك الكاميرا نسبة الى الفعل. لكنكم تذكرون فيلم «mouchette» وكيف كانت حركة الكاميرا. انها  تتحرك هناك بشكل لا يصدق. وبصورة عامة، فكل شيء عند بريسون مبني على الميلليمترات والسنتيمترات والميلليغرامات. انه مثل الصيدلي. فهناك توجد موازين تحليلية حيث كل ذرة  توضع في الميزان لها أهميتها. أما عند الآخرين فهذا ليس له مثل هذه الأهمية، ويمكنهم العمل بخشونه أكثر. لكن هذا لا يجعلهم أقل موهبة، لكن علي أن أقول لكم أن العبقرية والموهبة مفهومان مختلفان تماما، والشخص الذي يمكن أن يكون موهوبا جدا لا يمكنه أن يكون عبقريا، أما العبقري فيمكن أن يكون موهوبا جدا. القضية هنا أن بريسون يستعمل الحد الأدنى من الوسائل، انه متقشف. ولغرض اعادة ابداع الطبيعة لا يحتاج الا لقطع ورقة من شجرة وأخذ نقطة ماء من جدول والاكتفاء بوجه الممثل وتعبير عينيه. ولو كان بامكانه تصوير تعبير الوجه لما احتاج للمثل بصورة عامة. وهذا يهزني دائما. مع العلم أن الفيلم عند بريسون كلما كان أكثر كمالا كان الشعور بتملص الحقيقة التي يكشفها لنا أكثر أيلاما. لديه فيلم اسمه «محاكمة جان دارك». والفيلم كله مبني على ان جان تخرج من الباب والكاميرا تتابعها بحركة بانارامية، تجلس على كرسي مقابل المحقق الذي يحقق معها، الذي يخرج في الآن ذاته من باب آخر ويجلس قبالتها، وبعد ذلك لقطة كبيرة لجان او لقطة كبيرة للمحقق وهكذا حتى نهاية المشهد. وبعد ذلك تتابع الكاميرا بحركة باناراما جان الى الباب، وينتهي المشهد.
ان مثل هذه البساط ليست بتلك البساطة التي تبدو فيها. انها بساطة عبقرية.
ينبغي بالطبع معرفة قوانين الحرفة، كما ينبغي معرفة قوانين المونتاج أيضا، لكن الابداع يبدأ من لحظة كسر وتعديل هذه القوانين. ولهذا فكون تولستوي أقل من بونين في نقاء الأسلوب وأن رواياته لم تكن تتميز بذلك البناء والكمال الذي يميز أي قصة من قصص بونين، لا يجعلنا نحكم بأن بونين أفضل من تولستوي. ونحن لا نتسامح مع جمل تولستوي الثقيلة فقط، بل نبدأ بحبها كسمة خاصة ، كمكون من مكونات شخصيته. فحين تكون أمامك شخصية كبيرة فانك تستقبلها مع «نقاط ضعفها» التي تتحول فورا الى خواص لجماليتها. فلو استقطعنا وصف دوستويفسكي لأبطاله من سياق رواياته لأصابتنا الدهشة، فهم دائما بارعو الجمال، شفاههم متوهجة ووجوههم شاحبة وما الى ذلك. لكن ذلك كله لا يؤثر علينا لأننا لا نتكلم هنا عن محترف أو جهبذ، بل عن فنان وفيلسوف. كان بونين يحترم تولستوي احتراما لا حدود له لكنه كان يعتقد أن «أنّا كارينينا» مكتوبة بشكل سيئ وحاول كتابتها من جديد.لكنه طبعا لم ينجح.لأن مثل هذه الأعمال تشبه الكائنات الحية، لها دورتها الدموية ولا يمكن المساس بها من دون تعريض حياتها لخطر الموت.
ان اتباع قوانين المونتاج، أي ربط الأجزاء، لا يعني كل أفضل الأفلام ممنتجة بهذه الطريقة. لا بل بالعكس. فهذه الأفلام ممنتجة على خلاف المبادئ الأساسية، القوانين الأساسية. فمثلا، فيلم غودار «على النفس الأخير»، لا تجد فيه لصقة تقليدية أو يمكن القول كلاسيكية واحدة. بل بالعكس، الفيلم مربوط بدينامية. لكنه مربوط بدينامية شكليا. حركة الممثل في اللقطات القصيرة ممنتجة في عشرات الأماكن الجغرافية، لكن كما لو كانت في حركة واحدة. وهذا مستحيل من وجهة نظر ربط الأجزاء الكلاسيكية. الحديث في الباص مربوط بطريقة بحيث يتكلم الموجودون فيه بشكل منطقي من غير قطع أي جزء،لكن الخلفية أي الشوارع التي يتحرك فيها تتقافز بقوة كبيرة وكأن دقائق، ساعات، كاملة، أجزاء من الزمن، قد اقتطعت. كل شيء يجري على الضد من قوانين المونتاج الكلاسيكية. ان هذا يبرهن بجلاء أن المونتاج هو خاصية للرؤية السينمائية وأحد تلويناتها.
أما بريسون فلن تجدوا عنده لصقة واحدة يمكن ملاحظتها. انه يحاول دائما لأن يدخل الممثل الكادر ويخرج منه، فالمرور من مشهد الى آخر مهمة جدا بالنسبة له بذلك المعنى بحيث لا يُفقَد بينهما أي جزء من الزمن.
وبصورة عامة، نلاحظ أن المخرجين الجادين يلصقون الكوادر بشكل يوحي بأنهم يرسمون كلا واحدا، ولا يرى نتيجة لمونتاجهم أثر الخياطة أو الانتقالة. أنا أرى أن المخرج في المونتاج يعبر عن علاقته بالسينما.. ان المونتاج لغرض «التعبير عن المغزى» هو ذوق متدني، وهو سينما تجارية  خالصة.
أظن أن التذكير بوجود أساليب للمونتاج وعدم وجود قوانين له أمر له ما يبرره.
ماذا أريد أن أقول بذلك؟ أن عليكم دراسة المونتاج بالمعنى الكلاسيكي لغرض معرفة متى يمكن لصق الشريط ومتى لا يمكن لصقه. لكن المونتاج ضروري للمخرج بقدر ما يحتاج الرسام الى معرفة التخطيط. فأنتم لا يمكن أن تنكروا أن بيكاسو مخطط عبقري لكنه في أعماله التشكيلية- في بعضها في الأقل- يهمل التخطيط تماما،. فيتكون لدينا احساس بأنه لا يحسن التخطيط. لكن الواقع غير ذلك. فمن أجل أن تحسن أن لا تحسن الرسم كما يفعل بيكاسو  ينبغي عليك أن تحسن الرسم أقصى الاحسان.
وهكذا، تعالوا لنتوقف عند بعض مشاكل المونتاج التطبيقية.
كقاعدة، لا أحد يفهم بوضوح كامل كيف يجب أن يصور بطريقة مونتاجية، أن يصور بحيث يمتزج عنده كل شيء، بحيث تمتزج عنده الكوادر المختلفة في مشهد واحد، بحيث يكون هذا المشهد مجزءا بصورة واعية منذ البدء الى أجزاء.
لغرض الحفاظ على الامتزاج ووحدة المادة المصوة عليكم أن تعرفوا أين تفقدون ذلك. وحين أتكلم عن الامتزاج فأنا أقصد الوسيلة الأبسط لربط الكوادر، أي السلاسة.
فمثلا مسألة تقاطع النظرات. ربما كان هذا أصعب مسائل المونتاج. فهنا لدينا دائما خطر «الفقدان». أو مسألة حجم اللقطة، فمنطق هذه الحجوم يشكل مسألة متعبة. أندريه ميخالكوف مثلا كتب: ان الحجم تحدده زاوية النظر، أي لمن تعود. أنا أعتقد أن هذه ليس بتلك الأهمية وليس هي من يحدد حجم اللقطة. ترى هل تستطيعون تحديد وجهة النظر في أفلام بريسون؟ لا بالطبع. وقد حدثت محاولات لتصوير كل شيء من نقطة واحدة ، مثل فيلم هيتشكوك «الحبل» أو فيلم « أنا كوبا». فالى ماذا قادت هذه المحاولات؟ الى لا شيء. لأنه لا يوجد شيء في هذا. وبصورة عامة، ففي هذه السألة الكثير من الغموض. فلنقل: هل يمكن تصوير مثل هذا الحجم مثل عين واحدة؟ كلا ، لأنه لن يُمنتج. انه حجم غير حيوي. انه تأكيد، رغبة في استثارة اهتمام خاص الى حالة انسان. انها محاولة لتعبير أدبي تسلل الى السينما. انه رمز ، استعارة. انها اشارة لكي يفهم المتفرج، و«سيفهم»، لكن لن تتكون هنا صورة تعبيرية عاطفية متفردة حية. وفي نهاية المطاف، اذا صور الكادر فهذا يعني وجود وجهة نظر ومستوى هذه النقطة. لكن كيف؟ فلنقل ان نقطة النظر عند بريسون محايدة، العدسة الخمسون، أي  القريبة الى الحد الأقصى من العين البشرية. أنا أعتقد أن هذه أكثر النقاط حيوية عند التصوير وأكثر المستويات  طبيعية.
وبصورة عامة فان هذين المفهومين مرتبطان ارتباطا لا انفصال له، ذلك لأن المستوى تحدده نقطة التصوير. والنقطة يمكن أن تكون موضوعية  أو مشخصنة، لكن الأخيرة نادرا ما تكون تلقائية.
تذكروا مثلا، قصة بونين «ناديجدا». البطل هناك يقضي وقتا طويلا راكبا. ترى ما المانع من تصويره هكذا؟ زيادة على أن كل من يركب الخيل يعرف أن شعور الفارس شعور خاص، قريب من الشعور بالطيران. وهكذا، فما المانع من توصيل شعور وجهة نظر الكاميرا المشخصنة؟ أنا على الأقل ما كنت لأصور بهذه الطريقة، فبمساعدة مثل هذا المستوى «الحصاني» أشك في امكانية الوصول الى شيء ما جدي، باطني في ما يخص البطل.
المستوى (مستوى نقطة التصوير) كان على أيام السينما الصامتة  أهم الوسائل التعبيرية في الاخراج. لكن هذا قد أصبح  الآن عتيقا بصورة كارثية. فهو طريقة في المونتاج ظلت مجرد طريقة بسبب تعمدها المكشوف. كانت في السينما الصامتة امكانية أن تقول ان هذه الصفة سلبية وتلك ايجابية.  وكان المخرج والمصور يؤشران للمتفرج كيف ينبغي له النظر الى هذه الشخصية أو الى تلك. وقد استمر الحفاظ على ذلك نتيجة لفهم خاطئ تماما للسينما ، على أنها لغة تتكون من علامات هيروغليفية ينبغي حل شفرتها. 
ترجمة عبد الهادي الراوي
 مترجم ومخرج سينمائي عراقي.
 محاضرة (دور المونتاج في السينما) للمخرج الروسي الراحل.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire