jeudi 26 avril 2012

ثقافة سينمائية

سيناريو فيلم كازبلانكا يتفوق بعد 64 عاما من إنتاجه
  
جاسم المطير
  

لا شك أن الأجيال السابقة من مشاهدي السينما لديهم الوعي الحاد كي يتذكروا فيلما سينمائيا أمريكيا اسمه ( كازابلانكا ) وهو فيلم من أفلام خصوصيات الحرب العالمية الثانية ، وهو من الأفلام الجميلة التي يلعب بها كاتب السيناريو على أوتار الحب والواجب والحرب والسلام والسفالة والحزن والفرح و الجاسوسية و الخيانة والإخلاص ، ثم يلقي بالأبطال والمشاهدين في ضباب نهايات مفتوحة على أفق حزين تختلط فيه المشاعر ، وتنبع من قلب الأحداث المظلمة وردة صداقة لتعزي عاشقا أضاع قلبه في باريس ، ونظرة حب قاومت كل أعاصير النسيان ، وظلت تشع كنجمة صارت بعيدة المنال بإرادة عاشق وضع ( الواجب ) قبل ( الحب ) ليصبح بطلا وتتحول قصة حبه إلى أسطورة رومانسية حالمة ، عاشت في أذهان المشاهدين القدامى ، وتحيى ، اليوم ، من جديد لتنال تخما جديدا من تخوم التقدير الفني الحديث وفقا لقيم الحداثة السينمائية .

لم ينجح فيلم «كازابلانكا» بالرومانسية وحدها فهذا الفيلم الذي صار أسطورة سينمائية ، مضى على إنتاجه 64 عاما ، فيه الجمع الواقعي لحالات من نذالة وعنف ودم ، وأجواء مريبة يتجاور فيها الرومانسيون والمهربون والأنذال في حانة منسية خلف كل واحد من زبائنها قصة .

في هذا الفيلم طغت الرومانسية لأنه لا يوجد أحلى من الحب في زمن الحرب .. وفي الأزمان كلها ..

يقول بوجارت لصديقته بيرغمان ذات العينين الشاسعتين اللتين يختلط فيهما الأزرق بالأخضر بالعسل:

ــ رأيتك آخر مرة حين سقطت باريس ، النازيون كانوا يلبسون الرمادي و أنت كنت بالأزرق .

وحين يعمل على تهريبها مع زوجها التشيكي من المدينة المغربية تقول له وهي المتزوجة :

ــ كيف سأعيش دونك؟

فيرد:

ــ دائما سوف تظل باريس معنا .

يقول بعض دارسي هذا الفيلم أن السيناريو تضمن صنوف البلاغة السينمائية والمشاهد الحارة التي تجمد ، مثلا ، زمن بطل الفيلم عند قبلة ونظرة من حبيبته ، فيهرب مع حزنه إلى أقصى الأرض ، لكنه عرف طريقها إليه بقلبها ، واقتحمت عزلته وحانته دون استئذان ، وهي تتأبط ذراع زوج آخر .

لعل أجمل لقطات ذلك الفيلم الحميم المشهد الذي يعزف فيه المغني سام أغنية:You must Remember This، فيهجم عليه "ريك" غاضبا مؤنبا ، لأنه حذره أكثر من مرة ألا يغني أغنيتهما المشتركة كي لا ينكأ جراح الزمان الذي قهره الحب.

يتخلص المغني المسكين من الحرج بإشارة صامتة تؤكد أن التي سببت الجراح ومضت، عادت واختارت أن ترتاح من بين عشرات الملايين من حانات العالم في حانته .

بداية أشير انه ليس " التاريخ " وحده أعاد هذا الفيلم القديم ، الإنساني الرائع ، إلى واجهة العناوين السينمائية في الوقت الحاضر ، بل تضاعفت عدة عوامل منها ان الكتاب الأمريكان الذين منحوه اللقب الجديد ( أفضل سيناريو في تاريخ السينما الأمريكية ) قد وجدوا فيه فاعلية الحركة ، وتكييف المنطق ، وتوجيه الخيال ، وتحديد السلوك وكل هذه الصفات هي من أرقى معارف فن كتابة السيناريو.

بين عامي 1942 و2006 أربع وستين سنة ظل فيها فلم ( كازبلانكا ) موضع الترصد أثناء عرضه بالمناسبات وفي مراكز الأبحاث السينمائية ، وحتى أثناء وجوده على أرفف الأرشيف ، وهاهو يبعث من جديد ليكون في واجهة حوار ومتابعة ليحتل مرتبة عليا من حيث السيناريو إذ حصل ، في أوائل هذا الشهر نيسان 2006على لقب أمريكي رفيع ، هو لقب ( أفضل سيناريو سينمائي في تاريخ السينما الأمريكية ) .

هذا اللقب بهذا المستوى له معان سينمائية عديدة :

ــ أولها أن كاتب السيناريو امتلك معرفة سينمائية فنية أعربت عن نفسها ، ليس في مرحلة أنتاج الفيلم ، بل في مرحلة متقدمة في تاريخ السينما الأمريكية التي بلغتها في الألفية الثالثة .

ــ ثانيها أن الفيلم اثبت جدارة السيناريو المنتج في ظروف عسيرة شاقة بسبب اشتعال أوار الحرب في القارة الأوربية التي تعتبر بالنسبة للسينما الأمريكية سوقا كبرى في مجال تجارة السينما .

ــ ثالثها أن فيلم كازبلانكا كان ذا حظ حسن بشكل فائق ، وقد شاء له الحظ ألا ينساه ، لا فنيو السينما الأمريكية ولا مؤرخوها ولا منظماتها ولا كتابها .

لهذه الأسباب بادرت رابطة الكتاب الأمريكيين ( 1400 كاتب ) من إغداق لقب أفضل سيناريو في التاريخ السينمائي الأمريكي ، فقد اختارت رابطة الكتاب الأمريكيين فيلم "كازابلانكا" الذي تدور أحداثه أثناء الحرب العالمية الثانية لمنحه هذا اللقب الفريد.

أنتج الفيلم عام 1942 ولعب بطولته همفري بوجارت ، وإنجريد بيرجمان ، وكتبه جوليوس وفيليب إبستاين. اختارت نقابة الكتاب الأميركيين سيناريو فيلم كازابلانكا كأفضل سيناريو من بين 101 فيلم تعتبر من أفضل الأفلام. وجاء في المرتبة الثانية فيلم "العراب" (الجزء الأول) يليه "تشاينا تاون" ثم "المواطن كين" يليه " كل شيء عن حواء". وجاء في المركز السادس فيلم "آني هول" لوودي ألين يعقبه "صان ست بوليفارد" و"الشبكة". وجاء فيلما "البعض يفضلونها ساخنة" و"العراب" (الجزء الثاني) في المركزين التاسع والعاشر.

كتب سيناريو الفيلم وقام ببطولته الممثل همفري بوغارت وأنغريد بيرغمان، هوارد كوتش والأخوان جوليوس وفيليب إبستاين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بصرة لاهاي في 13 – 4 - 2006

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire