jeudi 26 avril 2012

السيناريو


السيناريو قواعد وأوليات
  
عزالدين الوافي
  

بات المجال السينمائي العربي يشكو من نقص ملاحظ ينعكس بالضرورة على صياغة رؤية جمالية تقدم للسينما وتتقدم بها.لهذه الصناعة ونقصد هنا، ما هو مرتبط بالمهارة والقدرة على إيجاد كتابات تتوفر فيها معايير نوعية تبحث عن مواضيع جديدة،وما يحاول أن يضمن نوعية من رواج تجاري يجعلها في مقدمة الإنتاجات السينمائية.

هناك عوامل عدة تساهم في تواري الإبداع السينمائي والمسرحي إلى الخلفية الفنية،.بينما نجد في المقدمة، ظواهر فنية أخرى تتنامى وتتكاثر، وإن كان ذلك التنامي كميا، كالأغنية والفنون الاستعراضية الأخرى.

الفرق بين الاثنين هو أن السينما لا تقوم إلا على مشروع فني ووطني مرتبط بما هو إنساني ،توطده بنية صناعية متينة. ومن ضمن الحلقات التي يحتاجها بناء هذا المشروع ، نجد الكتابة السيناريستية، كخزان يتغذى جماليا على مظاهر الثقافة الأخرى ، ومعرفيا على الإشكاليات الاجتماعية والفكرية .

ترى من يكون كاتب السيناريو هذا الذي يمثل هذا الأساس؟ وما هي المنطلقات والإمكانيات الذاتية والفنية التي يحاول المراهنة عليها من أجل تقديم مشاريع تتصف بالإثارة والتشويق ،دون أن تغفل طرق بناء الحكاية وسردها تبعا للمكونات السردية في الحوار والصورة وباقي المؤثرات الفنية الأخرى؟

الفكرة

ينطلق أي عمل فني، أكان مسموعا أم مرئيا، من فكرة تدور بذهن الكاتب أو المؤلف،أو يتم اقتباسها عن شخص آخر يظل المالك لها. ونقول للتمييز، هذا سيناريو أصلي، وذاك مقتبس عن عمل أدبي أو درامي .وقد يعمد لتسجيل هذه الفكرة أو تلك، لدى جهات تعنى بحفظ ملكية التأليف.كما هناك الثيمة ،وهي المعنى العام للفيلم،لذلك يجب تحديد الثيمة في جملة لا أكثر، كقولنا مثلا أن ثيمة فيلم "تيرمينيتر"هي الخير في مواجهة الشر". د

الفكرة يمكن أن تساعد كاتب السيناريو على كتابة قصة.في بعض الأحيان يتم اقتباس فكرة السيناريو من خلال قصة قصيرة ،وقد يلجأ كاتب السيناريو للمزج بين ثلاث قصص، أو مسرحيتين للحصول على سيناريو واحد،أو من مجرد خبر يرد في إحدى الجرائد أو المجلات.كما قد يلجأ لإقتباس بعض الأعمال الروائية التي يجد فيها ضالته للتعبير عن قضايا تشغله، ويريد إشراك الآخرين معه فيها.

غير أن مسألة الاقتباس، وخصوصا من النصوص الشعرية تبقى متعلقة بقدرة الكاتب على تحويل ما هو ذهني وروحاني، إلى ما هو ملموس ويمكن مشاهدته، لتتمحور فيما بعد حول ما يسمى بملخص الفيلم، أو ما يعرف بالسينوبسيس.ونقتبس هنا قول أحمد بلمعطي الذي يرى(( أن الشكل النهائي للقصة السينمائية،بعد الانتهاء من مراحل إعدادها ومعالجتها السينمائية،ووضع الحوار اللازم،وهي تحتوي على البيانات الوافية والتعليمات الدقيقة وكل التفصيلات الفنية،من حيث وضع الكاميرا وحركتها وحجم اللقطات وتحديد الانتقالات في كل مشهد وفي كل لقطة.كما أن القصة السينمائية عبارة عن الفيلم مكتوبا على الورق،ويقوم المخرج عادة بكتابة النص الفني ،وكما سلف الذكر،قد يشترك معه المؤلف الذي وضع الإعداد السينمائي للقصة الأصيلة ،وقد يطلق عليه البعض السيناريو الكامل (( 4 .

هناك العديد من المشاكل التي تنجم عن سوء تقدير لأخلاقيات المهنة وعلاقتها بحقوق التأليف المادية والفنية.فما قد يسميه السيناريست سيناريو، يسميه المخرج مجرد "تطوير لفكرة" وهذه إشكالية أخرى المفروض أن تبذل فيها جهود من طرف مكتب حقوق المؤلفين، ونقابات الفنانين، والمركز السينمائي المغربي لتوضيح ما يجب توضيحه في ما له علاقة بهذا المجال ،وبالتبعات الفنية والتقنية التي تترتب عنه، تجنبا لكل انتهازية،أو إضرار بحقوق المؤلفين .

السينوبسييس

للسينوبسيس أهمية خاصة حيث يسمح للقارئ و المنتج، أو لجنة اختيار الأفلام من تكوين فكرة واضحة عن محتوى الفيلم، من دون تزيين أدبي أو استعراض مجاني.إذ يفترض أن يبين فيه السيناريست بطريقة ذكية وجذابة، أجواء الفيلم ودوافع الشخصيات باختصار ودقة.لذلك يقتصر العديد من المهتمين بالسيناريو، أكانوا نقادا منتجين أو مخرجين،على قراءة الجمل الثلاث الأولى التي ينطلق بها السيناريو،أو على الأكثر الصفحات الثلاث للسيناريو.فإما أن تشدهم لمتابعة قراءة ما تبقى، أو يتوقفون من دون تكليف أنفسهم عناء الاستمرار.

نبدأ بملخص الفيلم للانطلاق نحو تفاصيل السيناريو، أو العكس.هناك العديد من الأفكار الرائعة والمعبرة، ولما لا نقول المؤثرة،لكن تحويلها إلى لقطات ضمن مشاهد ومتتاليات لخلق مستوى معين من التشويق في السرد الفيلمي ليس بالأمر الهين.إن كتابة السيناريو عمل متناه الدقة والصقل، إذ يشبه عمل المجوهراتي الذي لا يكف عن إيجاد أدق التفاصيل، وفق هندسة جمالية تتآلف فيها الأنساق والألوان، بشكل يخلق قطعة متميزة في المضمون، وخلابة في الشكل.

مشاهد ومتتاليات

لا يجب أن يفهم أن المشاهد و المتتاليات أشياء تتناقض، بل هي مكملة لبعضها البعض.وللتذكير،لابد من التمييز بين سيناريو فيلم طويل،وآخر قصير،كما هناك الفيلم المتوسط .وتبرز صعوبة الفيلم القصير لكونه يتطلب الدقة في تقديم الشخصيات، وخلفيات الحدث ،كما أنه لا يسمح بالإطالة مثلا في عبارات الحوار.

هناك من يشتغل بطريقة المشاهد، كما هناك من يكتب بطريقة المتتاليات التي تحكي مجموعة من الأحداث بدءا من دافعها ومكان انطلاقها،انتهاء بإنجازها ومكان تحقيقها.تتابع المتتالية، مثلا البطل الذي أراد شراء منزل من عملية التوجه للوكالة لزيارة موقع المنزل، مرورا بالعمليات الإدارية والمالية، وانتهاءا بجمع أثاثه والرحيل.

ينصح بالوقوف على حالات من الصراع والمواقف الحياتية التي يعيشها الكاتب ومحاولة الكتابة عنها، كما يلاحظ عند بعض المخرجين العالميين كفلليني أو برتولوشي.ليتخيل كاتب السيناريو حبه الأول، وماذا كان يفعل لكي يلفت انتباه حبيبته،أو يحاول أن يكتب عما فعله، وبماذا أحس، لما أبلغه أحد أصدقائه أن حبيبته تخونه من دون أدبية مهلهلة أو نرجسية تستعرض دون أن تعرض.لكن يجب إدراك أنه ليست كل قصة مؤثرة وقوية صالحة لتعرض سينمائيا،لأنها تتطلب الإشتغال على مكوناتها الدرامية وتحويل ما هو أدبي إلى ما هو بصري.

يمكن للسيناريست أن يكتب عن موقف وجد فيه نفسه يدافع عن اتهام وجه له، وماذا كان عليه أن يفعله، ويقوله ليبرئ نفسه.ويحاول مثلا تقديم مجموعة من النهايات المحتملة لقصة من دون نهاية،أو يقدم بدايات لحدث له نهاية ما.كما أن متابعة طرق افتتاحيات الأفلام وطرق إنهائها مهمة لأنها تكمنا من الوقوف على منطق الأحداث والرابط بينها.وتسمح لنا بإدراك تقدم الأفكار بالطرق الدرامية المناسبة.

وجدير بالذكر،أن بناء المشاهد لا بد وأن يتم وفق بناء هرمي يتقدم حينا، ويتراجع آخر.إذ يمكن أن نتيح للمشاهد فرصة للاستراحة واسترداد النفس بعد أزمة صغيرة،لكن هذه الاستراحة لا يجب أن تكون طويلة حتى نفقد التحكم في السرد .والتناوب يتم تارة لخلق الفضول، وتارة أخرى لتقديم جانب من الحقيقة أو بعضها.

لذلك يراعى في بناء المتتاليات ،المشهد في حد ذاته كوحدة درامية في علاقته بما تقدم وما سيأتي من مشاهد.حينها يصبح بناء المشاهد مرتبطا بإيقاع الفيلم وما يعرف بالمونتاج،ثم بكيفية تحكمه في خطه السردي.وكذلك بين ما تم بسطه في العرض،وما يعترض سبيل ذلك من مثبطات وعوائق.

بعدها نقول كيف سيأتي الجواب عن الإشكال الذي طرح.أي هل سيتم تجاوزه سلبا أم إيجابا؟ ثم هل سيحقق البطل ما رسمه من خطة للوصول إلى هدفه، أم لا؟ كما أن طريقة تقديم الفيلم منذ أولى اللقطات أو الشخصيات تعطينا نظرة جزئية عن أجواء الفيلم ،وعن الإنشغالات التي يدعى المشاهد للدخول في فكها وتأويلها سواء من خلال الأسئلة التي يطرحها على نفسه،أو من خلال الاحتمالات التي ترافق عرض اللقطات والأصوات.

السيناريو

لا يمكن تصور بناء منزل من دون خطة أو تصميم هندسي، كذلك الحال بالنسبة لأي فيلم.والمقصود بالسيناريو ،هو الطريقة الفنية في تحويل المشاعر والأفكار إلى أفعال وأحداث، يمكن مشاهدتها وتقديمها في قالب سردي يحكي حكاية ما .لكن هذا لا يمنع بعض المخرجين من التخلي عن السيناريو ككتاب مقدس يتبع بحذافيره، حيث أن المخرج يكون على علم مسبق بما يريده، وتكون مشاهد السيناريو في مخيلته، ويتم إضافة بعض التفاصيل من خلال التصوير، واجتهادات الممثلين المرتجلة على البلاتوه التي تصبح محبذة.

السيناريو الجيد يمكن أن يعطينا فيلما رديئا أو رائعا،أما السيناريو الرديء، فلا يمكن أن ينتج عنه سوى فيلم رديء.نفس الشيء ينطبق على الأفكار والحكايات الرائعة،إذ ليس بالضرورة ستعطينا سيناريوهات رائعة. الطريقة السيئة لكتابة السيناريو هي محاولة الإيغال في الوصف الأدبي باستعمال الأكليشيهات كقولنا مثلا "ما أروع مشهد الغروب" أو قولنا " يتردد البطل ويفكر في درجة حبه للبطلة".

فكما أن أفعال الشخصيات تكتب في صيغة الحاضر،يجب تجنب كل إشارة لما يدور بذهن ومخيلة البطل، إذ على السيناريست أن يسأل نفسه عن الوسيلة الناجعة التي بواسطتها سيعرض ذلك. وهل ستدخل الكاميرا لمخ البطل أو البطلة لنرى فيما يفكر أو تفكر؟ وبالتالي عليه أن يعرض أحداث الفيلم في مخيلته ويحاول أن يلمس مدى قابليتها للعرض.

عوض الإكثار من عبارات التودد لإظهار الشغف بشخص ما، والقول إن هذا الشخص يهيم حبا بحبيبته، ويمضي ساعات وهو يفكر فيها، ويفكر كيف بإمكانه أن يفصح لها عن إعجابه.يمكن أن نتصيد فرصة ما ونجمعهما في حدث يبادر هو لتقديم مشموم ورد لمعجبته. وهنا تتجلى عبقرية كاتب السيناريو في قدرته الخلاقة على تحويل المجرد واللامرئي، إلى محسوس مرئي،وعل اقتناص أدق الأفعال أو الحركات أو العبارات لتشخيص موقف أو تمرير إحساس. وإذا ما كان ذلك ضروريا، فالمعمول به أن تكتب تلك الملاحظات حول طرق الحديث، ونبرات الصوت، وكيفيات النظر على هامش المشاهد.

لذلك يقال إن السيناريو يعرض الأفكار عن طريق الأفعال، أو ما هو قابل للمشاهدة من حركات وأشكال، وألوان.لذا نلاحظ كيف يعمد الأمريكيون إلى التدقيق في دوافع الممثل وربط ذلك بالحدث مكانيا وزمانيا.فعوض سرد تفاصيل تقدم المشهد على الطريقة الأدبية كما يفعل بالزاك مثلا، يستحسن الربط من خلال فعل تقدم فيه الشخصية الزوجة وهي مثلا تستخدم المقص لقطع رسائل غرامية من جيب الزوج.

هاته الدلالات الأخيرة تعتبر بحق، المعادل الموضوعي للمشاعر والأحاسيس. القاعدة بالفرنسية تقول: Montrer c'est Dire .المشكلة تتحدد في مدى واقعية هذا القول، وكيفية تقديمه.فهل سيكون أقرب إلى النثر من حيث الإشارة للأشياء ،أم إلى الشعر من حيث جعل المشاهد واللقطات تتحدث عن نفسها محاولة الكشف عن الجمالي والجوهري فيها؟

العديد من الدارسين يشبهون بناء السيناريو بالفصول الثلاثة لمسرحية ما .في الأول تعرض القضية أو تطرح المشكلة وفي الفيلم القصير لا يتعدى ذلك ستون ثانية.وفي الفصل الثاني،يتم بناء العقدة في تصاعد درامي يأثر على المشاعر ويتحكم فيها.أما في الفصل الأخير،فيأخذ المنحى الدرامي وجهة ما لحل العقدة.هناك قضايا تقنية ومشاكل قد تعوق طريقة كتابة السيناريو.منها ما يتعلق أولا وقبل كل شيء بوضوح الرؤية والقصد الذي يتوخاه السيناريست،ثم بكيفية صياغة الحبكة.وهذا متعلق بتآزر الأفعال والسلوكيات في تطور الخط الحكائي،وهناك تآزر زاوية الرؤية و القيمة الفكرية ،وهذا يشكل النغمة السائدة،كما هناك تآزر التكنيك البلاغي والقدرة التقنية وهذا يشكل الجانب الفني.

هناك ارتباط تشعبي بقدرة الكاتب على خلق الشخصية مع الإحالة على تكوينها النفسي والاجتماعي والثقافي،وميولاتها السوية أو الشاذة،ومبرراته المنطقية للإقدام على هذا الفعل أو ذاك.ومن أجل تأزيم الوضع أمام الشخصيات وخصوصا البطل أو البطلة،لا بد من وضع مجموعة من العراقيل التي يتوجب عليه أو عليها تخطيها وتجاوزها من أجل الوصول لهدف مادي أو معنوي.الطريق أمامهما لا يجب أن تفرش بالورود بل بالصعاب والإكراهات.كما قد يزاوج الكاتب بين لحظات التأزيم ولحظات الإفراج لإعطاء إيقاع وتشويق ما لمشاهده.

نقول أن ثمة العديد من أشكال الصراع. منها ما هو داخلي وشخصي ،ومنها ما يتعلق بطرفين ،ومنها ما يتجاوز ذلك ليشمل أطرافا متباينة. كما يجب خلق الشروط الأولية لخلق الأفعال ونقيضها في حبكة لا تستصغر ذكاء المشاهد، ولكنها تحاول اللعب معه حينا بخلق التشويق وحينا بتأزمه، وحينا آخر بإسعاده من أجل خلق دينامية سردية تنتقل بالحكاية من العقد الصغرى إلى العقدة الكبرى،وحينا بتوهيمه بحلول وهمية أو مسارات غير متوقعة.إلا أن مبررات هذا كله، لا يمكن أن تسقط من السماء، أو كما يقول الفرنسيون تجرها الخيول.

يجب أن يتحكم السيناريو في عملية توزيع المعلومات بين الإفشاء والكتمان للحصول على فضول ما.الهدف من ذلك هو توسيع دراية المشاهد أو تضييق معرفته. افتعال المواقف،والقفز على ما تم تبليغه لإيصال فكرة غير منتظرة أو محشوة كرها في سياق الحكي، وهو أخطر ما يمكن أن يؤذي بتماسك المشاهد، وبروابط الفيلم السردية .والمشاهد دائما يدرك بحكم حسه العام وموقعه كحكم عندما تبدأ حبات عقد الحكاية في التناثر،أو عندما تنضاف بعض البدبهيات لتشرح أو تعقد أكثر.

وعلى ذكر الفرنسيين، هناك من يرى أن طريقة الكتابة السيناريستية تختلف بين المقاربة الفرنسية والمقاربة الأنكلوسكسونية.الفرنسيون مثلا، يقدمون شخصيات أفلامهم من خلال ما يقولون، أو ما يقال عنها في الحوار، لذلك يكثر الحشو والتفسير في حواراتهم ،وغالبا ما تضيع القصة في خضم الأحداث. بينما نجد عكس ذلك لدى الأمريكيين.فهم يصرون على بناء القصة أولا،ثم يتم تقديم الشخصيات من خلال أفعالها.

على كاتب السيناريو أن يتذكر دائما حجم الإمكانيات التقنية والمالية لتحويل مشروعه لفيلم.كما يحاول قدر الإمكان التقليل من الانتقال من مكان إلى مكان آخر نظرا للمصاريف التي يكلفها ذلك،مع الإمكانات التقنية والفنية التي يفرضها التصوير في مكان مظلم او يصعب الوصول له.فلا يمكن مثلا، رصد ميزانية تصوير مشاهد من الخيال العلمي حيث الصحون الطائرة أو الطائرات المقنبلة.ويستحسن بالنسبة للسيناريست أن يكون على علم بكيفية التصوير وماهية المونتاج حتى يساعده ذلك على تخيل اللقطات وموضع الديكور وحركات الممثلين.

لا حاجة للقول إن الفيلم الجيد يبدأ مع السيناريو الجيد،إلا أن طريقة الإخراج هي المحك النهائي، والفيصل القاطع في تدارك أخطاء الكتابة، وإضفاء مسحة إبداعية على ما كتب على الورق.غير أن هناك من يعتقد أن نجاح أي فيلم، يتوقف بالأساس على توفق السيناريو وتفطنه لكل التفاصيل في بناء القصة، ومواصلة التشويق، وضبط خيوط التطور الدرامي.كل ذلك يفضل أن يكون مقيدا على الورق. ومهما حاول المخرج أن يرقع ويخيط ما أمكن، فللسيناريو الكلمة الفصل.لكن هذا لا يعني بالضرورة الإكثار من الوصف والشرح والتدخل الممل في طريقة أداء الممثلين لأدوارهم وحوارهم لأن ذلك من شأنه أن يسقط اللسيناريو في الغموض والفوضى.

من المعروف أن نسخة السيناريو تصحب مدير التصوير ومساعده، والممثلين في قراءة أدوارهم، كما أنها تشكل مرجعا أساسيا خلال عملية التوليف، للحسم في اختيار أهم اللقطات من بين اختيارات أخرى.عدو السيناريو وبالتالي الفيلم، هو السرعة في المعالجة، وإغفال التفاصيل. ولعل نجاح الأفلام الأجنبية، بالإضافة لحسن أداء الممثلين والإمكانيات المادية، يتجلى في تركيز السينمائيين كتابا وتقنيين،ومخرجين على كل الجزئيات.ونلاحظ كيف أن الأمريكيين مثلا يحاولون التعاون فيما بينهم أي أن السيناريو الواحد يكتب ويعيد كتابته أكثر من شخصين أو ثلاث.

نجد أن مثل هذه التفاصيل الدقيقة،هي التي تعطي للفيلم، في نهاية المطاف، تميزه ونكهته الخاصة .لذلك يفضل التأني في عملية ترقيم المشاهد، وتركها لآخر لحظة حتى يحس الكاتب أنه قد استنفذ كل ما يريد بسطه،وحسم الأمر لصالح اختيار ما، لأن عملية تأليف المشاهد معقدة ومتداخلة، كما أنها متسلسلة.ومن الطبيعي أن تقفز لذهن السيناريست أشياء وتفاصيل،ربما تغافل عنها، أو أحب إضافتها.لذا يفضل أن يترك السيناريو لمدة ما فوق الرف، يتبادر خلالها لذهن الكاتب تنويعات ورتوشات قد تزيد من جمالية لقطة، أو من مصداقية حركة أو نظرة.

عادة ما تتم في بداية أي مشهد الإشارة لرقمه،ومكان وقوع الحدث أو اللقطة، مثل داخلي وهو إشارة لمكان مغلق كعلبة ليلية أو حانة،أو خارجي كزقاق أو مسبح،ثم زمانه أي ليلا أو نهارا . يستحسن التنصيص على زمن النهار، هل غسقا أم منتصف نهار.أما إذا كان مساء، فهل عند الغروب أم بعده .

ينصح أيضا بالتنويع بين المشاهد الداخلية والخارجية، ومشاهد الليل والنهار، والحوارات الطويلة والقصيرة لخلق إيقاع معين وحركية في المشاهدة.وبالإضافة للتنويع في المشاهد، أو ما يسمى بالإيقاع الذي سيتكلف به المونتاج في طريقة سرد الحكاية والربط بينها، هناك أيضا الإيقاع الصوتي الذي يروم التغيير بين مواقع الصمت ومراتب الضجيج.والسيناريست الجيد يحاول تشغيل مخيلته المشهدية والمرئية للتقطيع والتوليف.

بمجرد ما تقدم الشخصيات، تكتب أسماؤها بحروف داكنة. ما يقوم به الممثل من حركات أو إيماءات، يمكن كتابته بخط بارز أو أصغر.طريقة تقديم الممثلين وأفعالهم ومحيطهم تحددها الأفعال والحركات التي يبدأ بها الكاتب لتقديم الحدث.ويستحسن تقديم الشخصيات ذات الأدوار الرئيسية وهي تقوم بفعل ما.كما لا يفضل تقديم كل شيء عن الشخصية المحورية منذ البداية ودفعها هي أو الآخرين، للحديث عنها بإسهاب مطول. فهل سنبدأ بالحكي من فنجان القهوة الموجود على الطاولة ثم حركة اليد في اتجاه الفم،أو نبدأ بالوضع الجسدي داخل المقهى وننتقل لعملية تناول الفنجان؟

نرى أن طريقة سرد الأحداث وتصوير المشاهد، وتقديم هذه الجزئية على تلك، يحدد الكيفية التي سيعمل بها المونتاج.ومعلوم أن نفس الحكاية يمكن سردها بطرق مختلفة سواء من حيث التكثيف أو الحذف أو انتقاء أحداث من دون أخرى.كتابة السيناريو هي بمثابة ثوب واسع يجب تقطيعه وتفصيله، وفق قياسات معينة تتسم بالتناسق والتناسبية لأن المكونات الأساسية في هذه العملية تنقسم لثلاثة محاور.

الصورة، والزمن ،والصوت

إذا كانت الفنون تقسم لما هو زمني كالموسيقى والشعر والرقص،وما هو مكاني كالرسم والنحت والهندسة المعمارية،فالسينما تجمع بين هاتين الميزتين.و لنبدأ بالصوت. بمجرد ما يكون المسؤول عن الموسيقى بصدد قراءة السيناريو، تتبادر لذهنه أشكال الموسيقى التي ستمكنه من التبليغ عن المراد.ما يهمنا هو كيفية التحكم في الزمن السردي لخلق تقدم الأحداث.

أما بالنسبة لاختيار اللقطات،فلا يجب أن تكون لا بالقصيرة مخافة أن لا تبلغ ما يكفي، ولا بالطويلة وتحصل الملل والتكرار.لذلك يجد السيناريست صعوبة في الانتقال من مشهد لآخر.في عملية الانتقال هاته، يتم التحكم في تدفق الأحداث، وبناء الخط الدرامي وفق الهرمية التصاعدية التي تختار، وعلى هديها يسير الفيلم.ويمكن مقارنة واضحة بين طبيعة الأفلام الأمريكية في تسارع وتيرتها بحيث أن المشاهد تنتقل بك من لقطة عامة أو لقطة أمريكية ثم قريبة، إلى لقطة أخرى.

هنا نلمس جهد السيناريست في المونتاج أي بين السرد الحيوي، وبين لقطات بطيئة متشابهة في تصويرها ومملة في طريقة حواراتها.وللتذكير، فالسيناريو الجيد يسهل بإيقاعه وتنويعاته المشهدية عملية المونتاج، ويجعلها أكثر تماسكا وخفة.هنا، يتم الحسم لصالح إعطاء الأسبقية لمشهد على حساب آخر،أو تأجيل مشهد للحظة أخرى قد يخدم بها ما تمت الإشارة له، أو لتهيئ ما سوف يأتي.وقد يتم العمل بمبدأ الأسبقية للنتيجة عوض السبب لخلق نوع من التشويق .كأن نصور مثلا سيدة تسقط على أثر طعنة ،ثم نتبعها بيد المجرم وبيده الخنجر.

يكون السيناريست دائم المسائلة عن ضرورة الاحتفاظ ببعض المشاهد أو الاستغناء عنها. فهل هي ضرورية ،ولها أهميتها الخاصة في الدفع بالخط الدرامي، أم هي مجرد مشاهد تزيينية اختيرت لشحنتها العاطفية بشكل مجاني؟ ولكي نفرق بين الاثنين،نقول عن الأولى ، أنها مشاهد محورية تكون ضرورية، وبدونها يتساقط البناء الفيلمي.من دون شك أنها تتغذى، وتتعزز بلقطات تأكيدية تحضر فيها أشياء أو رموز أو عبارات، أو حركات تكون ذات علاقة وطيدة بتطورات الأحداث وخلفياتها، وكذا بميولات الشخصيات وصراعاتها.أما الثانية، فهي بالإضافة لكونها لا تساهم فعلا في الدفع بالمشاهد نحو العقدة،فإن إبقاءها أو الاستغناء عنها لا يغير من قوة الفيلم السيناريستية شيئا.

يعمد بعض الكتاب إلى ذكر الطريقة التي سوف تتحرك بها الكاميرا، أو التنصيص على الزاوية أو حجم اللقطة،لكن ذلك يدخل في اختصاص المخرج ومدير التصوير، لأنهما المخولان أكثر في اختيار اللغة التقنية من حركات الكاميرا ودرجات الإنارة،وغيرها،كقوله مثلا تتحرك الكاميرا من اليمين إلى اليسار،أو من الأسفل إلى الأعلى، أو العكس وهو ما يعرف بالبانوراميك، أو من الأمام إلى الخلف، وهو ما يعرف بالترافلينغ أو ما شابه ذلك.

لكن لا عيب في حضور الكاتب لإدلاء بعض الاقتراحات ولما لا حتى بعض الممثلين،أو أن يطلب المخرج قبل إنطلاق التأليف من السيناريست الإشتغال على سيناريو وفق مواصفات جسمانية وشخصية تتماشى مع ممثل أو ممثلة معينة . السيناريست ليس مجبرا على إتباع الوحدة الزمنية الأرسطية،لأنه بإمكانه اللعب على إيقاع السرد باختيار الاستباق أو الرجوع للماضي،أو دمج الأزمنة الثلاثة في مشهد واحد.

تتحدد قوة السيناريو بقدرته على نقل ما يرى ويشاهد لإيصال المشاعر، والكشف عن المواقف دون الإكثار من الحوار، والسقوط في الحشو والابتذال. فالقاعدة تقول:" لا تتحدث عما يظهر،ولا تكشف ما هو قادم".إن طريقة بناء القصة مسألة حيوية بالنسبة لتقديم المشاهد، والربط بين الأحداث.كما أن أحداث القصة لا بد أن تنطلق من حادثة بسيطة ليتركب مسارها ويتعقد.والقصة الناجحة سينمائيا تقوم على خلق الصراع ،إذ لاوجود للدراما من دون صراع.

طبعا من خلال التناوب على فك الصراع أو تأجيجه وربطه، يبرز دور الممثلين. فهذا يقف ضد نجاح البطلة في بلوغ مبتغاها ،بينما يحاول الآخر الذهاب في الاتجاه المعاكس، مما يساعد على خلق ذلك التجاذب والتصارع على الدفع بالسرد إلى الأمام، أو عرقلته.والمعروف أن الصراع يكون بين أشخاص،جرت العادة أن يمثل أحد الطرفين الخير والشرير.وهذا الصراع أولا يقدم من خلال حدث يتطور نحو المواجهة التي تؤدي إلى إنهائه ونهاية الفيلم.

هناك قضية أخرى أصعب مما يتصور، ولعلها ذات أهمية قصوى في نجاح الفيلم وكسب تعاطف المشاهدين أو تنفيرهم وصدمتهم.يتعلق الأمر بالطريقة التي تختار لإنهاء الفيلم،حيث يقال بأن النهاية الجيدة والمتمكنة من حسم الصراع بطريقة ذكية ليست دائما في المتناول.بل هناك من يبدأ بالتفكير في الطريقة التي ستؤول لها أحداث فيلمه قبل بسط المرتكزات الأولية.ولعل النهاية هي المنحدر الدرامي الذي يأخذ في الحسبان كل عناصر القصة والمآل الذي ستؤول إليه.وبالطبع يمكن لنفس الفيلم أن تكون نهايات متعددة حسب العنصر أو الرسالة التي يرغب الفيلم التشديد عليها.يمكن لفيلم ما أن يحس الصراع بين قويتين بطريقة أيديولوجية،كما يمكنه أن يجعل منه دائرة صغيرة تتسع وتكبر لتتوسع الاحتمالات.

السؤال هو كيف يمكن أن تقدم للمشاهدين ما ينتظرونه وما لا ينتظرونه في نفس الوقت؟ وكيف يمكن إيجاد نهاية ترضي الجمهور، ولكن تفاجئه أيضا.النهاية يجب أن تكون كمحصلة لا مفر منها، ولكن غير منتظرة.كثيرا ما يقال مثلا، لقد أعجبني هذا الفيلم بالأداء الجيد لممثليه،أو أن الوضعيات التي خلقها الفيلم كانت رائعة،إلا أن كل شيء تناثر في الختام.يقال أيضا أن النهاية يجب أن تنهي صراعا،أو تأتي بحل أو جواب لسؤال درامي طرح في البداية، ولا تبدو كمجموعة من المواقف القدرية التي تقحم فيها الصدف بشكل رديء.

للوقوف على كيفية التصرف في كم المعلومات ومنطق الأحداث يمكن تحليل قوة اللقطة بمضمونها الدرامي والفكري.وبالتالي هل تتقدم هذه الأحداث بشكل يؤجج الصراع ،أم أن هذا التحكم يأتي مهلهلا مما يجعل الفيلم يعرف لحظات عرض وبسط من دون خط تصاعدي؟

من بين الأسئلة الأخرى التي تطرح قبل البدء في صياغة السيناريو،ماذا يريد البطل أو البطلة تحقيقه؟ في فيلم "محاكمة امرأة" لحسن بنجلون مثلا، نفهم أن البطلة تريد أن تحصل على طلاقها لكن لن يكون لها ذلك ،لأنها اضطرت لقتل زوجها.أما في فيلم "علال القلدة" لمحمد إسماعيل ـ فالبطل يريد أن يهاجر لكندا.وقبل الحسم في هذا الخيار أو ذاك،على البطل أن يستنفد كل المحاولات والحلول.والوصول إلى النهاية يكون كخيار وحيد بعد أن توصد كل الأبواب في وجهه.وهذا ما يترك لدى الجمهور إحساسا بالارتياح.النهاية لا يمكن أن تكون إلا التتويج الفعلي والمنطقي لما يريد أن يقوله الكاتب.

نجد العديد من المقالات التي تذكر السيناريست بما يجب فعله وما لا يجب.البعض يركز على أهمية الحكاية ودورها في شد بناء الأحداث،بينما يرى آخرون، أنه على السيناريست أن يبحث عن وسيلة أخرى لكسب المال الوفير، إذا كان هدفه هو فقط جني الأموال.آخرون يركزون على أهمية متابعة السيناريست للوقائع والأحداث التي توردها الجرائد والمجلات، حتى يظل متابعا ومنصتا لنبضات مشاكل مجتمعه.

فإذا أراد الكتابة مثلا عن حدث إجتماعي أو ظاهرة أو أناس معيننين فما عليه إلا أن يقرأ ويعاين ويتابع عن ذلك الحدث.إلا أن ما يجمع عليه كل هؤلاء الكتاب، هو أنه إذا أراد شخصا ما أن يصبح قارئا جيدا فعليه أن يقرأ ،أما إذا أراد أن يصبح كاتبا سينمائيا ، فعليه أن يكتب ويكتب ويكتب.لكن، وفي نفس الوقت، يبقى متابعا لأكبر عدد ممكن من الأفلام للوقوف على كيفيات بناء السيناريوهات، وإعادة مشاهدتها للتمكن أكثر من طرق بسط القضايا وتعقيدها من خلال لغة الكاميرا وتقنياتها.

السيناريست المتفتح هو الذي يقبل النقد والملاحظات ويتحلى بالصبر والمثابرة، ويطرق أكثر من باب من دون ملل أو قنوط. وعندما تأتيه فرصة تقديم عمله لمخرج أو منتج، فلا يجب أن يتردد في قبول آراء واقتراحات يود أن يضيفها المخرج.المسألة قد تجمع بين الكد والمثابرة وبين الصدفة .فسيناريو ما قد يبدو لأحد المخرجين غير صالح للتصوير وتافه، نفس السيناريو قد ينوه به مخرج آخر ويعجب به. وهذه قضية حصلت لي مع محمد لطفي حول قصة فيلم قصير عنوانه "الجرة" والذي قام مخرج آخر عهد بنسودة بإخراجه.صحيح أن العمل السينمائي يبدأ بالسيناريو، لكن المخرج وبما له من خبرة يكون أدرى بالإمكانات والإمكانيات اللوجيستية التي يتطلبها التصوير لتجسيد الأفكار والمشاعر التي خطها الكاتب على الورق.

بتقديري، إن هذا النوع من الكتابات، لا يمكن أن يكون ناجحا ومثمرا إذا لم توفر له الشروط الضرورية والتشجيعات الموضوعية.فبالإضافة إلى ضرورة إنشاء معاهد،يجب خلق شعب متخصصة في التعبير الفني في مجال الصورة وخصوصا في السينما.فكما أن النقد لا يمكنه أن يتطور بتراجع الإنتاج وفقر التجريب بالانفتاح على الأشكال التعبيرية الأخرى، فكذلك الكتابة السينمائية، لأننا نبقى دائما في حاجة ماسة لتسجيل الاستمرارية، ولما لا التأسيس لمذاهب ومدارس في التصوير وتشكيل و الكتابة.

فقط وحدها الاستمرارية النوعية والجادة،هي التي من شأنها أن تخلق تقاليد في تكريس طرق الابتكار والاقتباس، والتنويع من حيث الأشكال بين ما هو وثائقي تسجيلي، وما هو روائي وإبداعي.وإذا استمر تعاملنا مع المبدع أكان موسيقيا أو فنانا تشكيليا، مع النظر للكاتب كشخص لا خدمة له، أو وظيفة نبيلة تجاه مجتمعه، فالكارثة ستحل بذاكرتنا الثقافية وكياننا الفني لا محالة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire